"سيناريوهات"
الكاتب والباحث: عبد المنعم إبراهيم
لقد ضاجَ الإعلام الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة بجميع مراكزه المرئية والمسموعة والمكتوبة بالحديث حول الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، واحتمالية التصعيد على هذه الجبهة التي يتركز فيها تواجد "حzب الله" "حليف إيران" و ذراعها العسكري في تلك المنطقة، ودار الحديث كذلك بالتلويح بعمل عسكري ضد مشروع إيران النووي، الذي بات يؤرق حكومة الاحتلال!، ولم يتبقى أحد من الرموز السياسية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية إلا وأدلى بدلوه بهذا الخصوص، على اختلاف مشارب هذه التصريحات ومضامينها، بدءً من تصريحات رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو"، ووزير الدفاع، "يوآف غالانت"، ورئيس الأركان، "هرتسي هليفي"، ورئيس مجلس الأمن القومي، "تساحي هنغبي"، إلا أن الملاحظ في بعض هذه التصريحات والتي سأتناولها في السياق وجود تباينات وإشارات يُفهم منها أن بعض قادة اسرائيل تركوا باب اللهجة التصعيدية(موارباً) بعض الشيء نحو خيارات أخرى ربما تُقدم عليها إسرائيل بحيث تكون أقل ضرراً وكلفة عليها، ما يؤشر الى استبعاد فرضية المواجهة المباشرة مع ايران وحzب الله،لا أحد يعلم عُقباها .
بالنظر الى دوافع هذه التهديدات، ولطبيعة الحملة الإعلامية الإسرائيلية فما من شك أنها في المقام الأول نابعة من تركيبة وطبيعة الكيان الصHيوني العدائية للعرب والمسلمين، ومن محاولات هذا الكيان الاستئثار بامتلاك القوة الرادعة(النووية)، والحؤول دون امتلاك غيرها من الدول لهذه القوة.
لقد جاءت اللغة الاسرائيلية التصعيدية الأخيرة على خلفيات متعددة، وفي سياقات تتعلق بالمخططات الرامية الى تفتيت الجبهات العربية والاسلامية, لتبقى ضعيفة بما يكفل لإسرائيل اختراقها واستنزافها على الدوام, من أهمها:
- التقارب الايراني السعودي ، الذي أطاح بمخططات إسرائيل بالسعي لتكوين جبهة عربية-اسرائيلية معادية لإيران .
- عودة سوريا الى جامعة الدول العربية, واعادة دمجها في المنظومة العربية, ما يعزز مكانتها, ومكانة إيران في الساحة المحاذية لإسرائيل.
- تقرير أوردته وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، الاثنين الماضي، مفاده أن إيران أنشأت موقعا نووياً جديداً تحت الأرض، بالقرب من منشأة "نطنز" النووية.
- تسريبات حول نسبة تخصيب اليورانيوم في المفاعلات الايرانية، ما تراها حكومة نتنياهو أنها وصلت مستويات عالية جداً قربت إيران كثيراً من صناعة القنبلة النووية.
- المناورات العسكرية التي أجراها حzب الله في جنوب لبنان مؤخراً، والتي جاءت لتحاكي اقتحام مستوطنات، واختطاف جنود إسرائيليين، فضلاً عن استعراض الحZب للعتاد والأسلحة المتنوعة.
على وقع هذه الأحداث وهذه التحولات وجد رئيس الوزراء نتنياهو نفسه وبعض المتشددين من ائتلافه أنهم يقعون تحت حالة ردعية أنتجتها هذه التفاعلات، وفي حرج أمام الجمهور الإسرائيلي، في الوقت الذي خرج فيه نتنياهو منذ أسابيع قليلة متبجحاً بإعادة هيبة إسرائيل (الردعية) بعد الهجوم الأخير على غزة واغتيال ستة من رموز الجهاز العسكري للجHاد الإسلامي، لذا ذهب نتنياهو وزمرته في ظل هذه الأجواء التي عكرت صفوهم ونسوتهم المزعومة باتجاه إعلاء الصوت ونبرة التهديد، ليبرز معها تصريح نتنياهو بأنه سيفاجئ ما سماهم ب(الأعداء)، قاصداً بطبيعة الحال إيران وحلفاؤها في المنطقة، وقد جاء تصريح وزير الحرب الإسرائيلي "يوآف غالانت" حول استعداد إسرائيل لهدف رئيسي قال أنه معقد ومركز ، مبيناً جاهزية سلاح الجو الإسرائيلي لهذه المهمة في ذات السياق ،،، تصريحان التقيا على صعيد واحد.
(الوجه الآخر)
في مقابل ما سبق هناك صورة مخالفة الى حد ما- تعكس وتفند مكابرة وتضليل نتنياهو وفريقه، وتثبت بأنه لا يملك قرار الحرب المفتوحة أو (الشاملة) إلا بموافقة الإدارة الأمريكية، وباطلاع بعض الأوروبيين، فقد تضمن تصريح رئيس مجلس الأمن القومي "تساحي هنغبي" إشارات الى بعض هذه المحاذير الدولية، والتي لا تمنح حكومة نتنياهو الإذن بالاستفراد بأي عمل عسكري ضد منشآت إيران النووية إلا في حال استنفاذ كل الطرق بحسب ما جاء على لسان الوزير، وهذا بطبيعة الحال يعني تقييد لتوجهات إسرائيل العدائية، لطالما أن باب الدبلوماسية الغربية والأمريكية في ملف ايران النووي، ما زال قائماً ولم يغلق بعد.
لو أمعنا النظر في بعض التصريحات التي أوردتها أنفاً ، ودققنا في ما جاء بين السطور ربما نخرج بانطباع أن ما صرح به نتنياهو وبعض رموز حكومته المتشددين ما هو إلا "زوبعات في فنجان" وما جاءت إلا لحفظ ماء الوجهة، وعدم الظهور في موقف (الجُبن والضعف)، سيما بعد التبجح الذي خرجوا به عقب الموجة الأخيرة على غزة.
" تساؤلات "
- هل الجبهة الإسرائيلية الداخلية متهيئة فعلياً لهذا الحدث، وقادرة على تحمل تكلفته التي قد تكون باهضه ؟!
- هل لدى حكومة نتنياهو ضمانات بعدم دخول حلفاء إيران الإقليمين في (اليمن والعراق وسوريا) وربما بعض الفصائل الفلسطينية الموالية لهذا المحور(مع استبعادي لهذه الفرضية) وهل لديها القدرة فعلياً على التعامل مع أكثر من جبهة في ذات اللحظة فيما لو اتسعت دائرة الاشتباك؟؟؟
- هل لدى حكومة نتنياهو ضمانات بموافقة الإدارة الأمريكية على هذه الفعل؟.
( السيناريوهات )
خيارات عديدة قد تلجأ إليها إسرائيل كبديل عن المواجهة الشاملة، بالإمكان استنبطها من سياق ما قاله رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي "هأرتسي هاليفي"، الذي صرح بأن إيران تستخدم سوريا منطقة حرب محتملة، ومن سياق ما قاله وزير الحرب "يوآف غالانت" حول تمركز أيران عسكرياً على الأراضي السورية ومن سياق ما صرح به رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أهارون حاليفا" حول سماح سوريا باستخدام أراضيها لإطلاق مسيّرات تجاه إسرائيل,,, فهذه التصريحات بما تضمنته قد ترسم ملامح المشهد الأرجح حول كيفية تعامل إسرائيل مع هذا الملف، فمن غير المستبعد أن تلجأ الى تنفيذ ضربات عسكرية لمواقع الحرس الثوري الإيراني أو أي من التشكيلات العسكرية الإيرانية الأخرى التي تتواجد على الأراضي غير الإيرانية، أو ربما يتم البحث عن شخصية عسكرية رفيعة المستوى لاغتيالها هنا او هناك، سواء من القيادات الإيرانية، أم من قيادات حzب الله، تماماً كما فعلت واغتالت العقيد "حسن صياد خدايي"، والقيادي في الحرس الثوري "خديري" في قلب طهران ، والضابط في الحرس الثوري الإيراني داود جعفري الذي اغتيل في العاصمة السورية دمشق، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني الذي اغتيل في العراق، وقد يلجأ سلاح الجو الإسرائيلي الى توجيه ضربات لمواقع وتشكيلات حzب الله سواء في الجنوب اللبناني، أو على الأراضي السورية، أو في العراق.
هناك خيارات أخري قد تلجأ اليها إسرائيل إذا توفرت لها العوامل، تتمثل في البحث عن هدف خارج هذه الحدود المذكورة، فربما تلجأ الى عمل ما في عرض البحر، او دول جوار إيران، وربما تقوم باعتراض بعض السفن الايرانية عبر البحار,،،أماكن عديدة قد تلجأ اليها إسرائيل لتنفيذ عمل عدائي يغنيها عن المواجهة المباشرة .
عوامل دولية إقليمية وداخلية عديدة لا تساعد إسرائيل على شن حرب موسعة على أكثر من جبهة.
- تعرض المصالح الأمريكية في الإقليم للخطر حال حدوث مواجهة متعددة الجبهات.
- الدين الأمريكي العام الذي يشغل الساحة السياسة الأمريكية مؤخراً.
- الانشغال بالحرب الأوكرانية .
- قضية تايوان والصين
- كوريا الشمالية.
- ما يحدث في السودان.
وجهة نظر:
باعتقادي أن حكومة نتنياهو لن تبادر الى اتخاذ أي خطوة من شأنها أن تغضب حليفتها أمريكا, وتفتح عليها في ذات الوقت جبهات اشتباك متعددة، فأي مساس بمفاعلات ايران النووية سيثير هذه المرة حفيظة حكام ايران وسيدفعهم الى اتخاذ اجراءات دفاعية وقد تكون هجومية ستكلف اسرائيل الكثير, من خلال فتح النار المباشر والمكثف عليها بالشراكة مع حzب الله الذي يعتبر حليف ايران وذراعها الرئيسي, فالحzب لن يقف مكتوف الأيدي في حال هوجمت ايران, وقد يشترك معها في ضربات صاروخية موحدة على المدن الإسرائيلية, سيما وأن المناورات التي أجراها الحzب مؤخراً والتي اظهر خلالها هذا الكم والنوع من الصواريخ إلا شاهد على تمتعه بجهوزية عالية، وبقوة نارية ستصيب المدن الاسرائيلية في مقتل.
أخيراً:
مع الاشارة الى أن فلسفة رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" الأيدولوجية دائمة الحماقات والمفاجآت, الا أنه يصعب عليه بالرغم من هذه الحماقات اشعال فتيل الحرب في الاقليم دون أن تتوفر لذلك الظروف والعوامل الدولية المواتية, ولا يمكن حدوث ذلك دون منح الضوء الأخضر من قبل الادارة الامريكية, وبعض الدول الأوروبية ذات العلاقة والثقل السياسي، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الأطراف الدولية مع اشتعال الحرب في أوكرانيا الى خفض التصعيد في المنطقة .
تابعنا على هذه الصفحات

رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا